لماذا يُفضل العرب والأجانب تركيا كوجهة للسياحة العلاجية؟

تشهد الجمهورية التركية تطورا ملحوظا في نظام الرعاية الصحية الذي أصبح أحد أكثر الأنظمة تقدما في العالم، كما يُعتبر المستوى العام للرعاية الصحية ذا جودة عالية في مختلف القطاعات، لذلك نجد أن المواطنين الأتراك يتمتعون بحياة صحية مميزة ومتوسط العمر العام لديهم نسبيا أعلى من غيرهم.

ويستطيع المرضى الأجانب والعرب من خارج تركيا أيضا الاستفادة من هذا النظام الصحي المتطور؛ وهذا ما يجعل مئات آلاف المرضى الأجانب يأتون من 177 دولة ليختاروا تركيا كوجهة للعلاج الطبي. 

وبحسب تقرير لمجلة السفر الطبية الدولية، جاءت تركيا في المركز الثالث عالميا في تزايد تدفق السياح الأجانب بغرض السياحة العلاجية، واحتلت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية المركزين السابقين.

سياحة تتداخل مع صحة الإنسان 

إن التغييرات التي طرأت على مجال الصحة في السنوات الأخيرة وخدمات الجودة المقدمة في مجال الخبراء الطبيين والأجهزة والمعدات والتجهيزات التقنية لها تأثير كبير على زيادة الشعبية في هذا المجال.

وبالنسبة للحكومة التركية الأمر لا يرتبط بالتكلفة فهي تتعامل مع السياحة العلاجية باعتبارها ركنا رئيسيا يحتاج إلى استثمار وانضباط وقواعد صارمة، فالأمر ليس مجرد سياحة بل سياحة تتداخل مع صحة الإنسان. ولتتأكد وزارة الصحة التركية من تطبيق المعايير التي وضعتها لتنظيم السياحة العلاجية، فإنها تراقب سير العمل وتتبع المشافي ومراكز الرعاية الصحية وكفاءة الكادر الطبي.

ولهذا، أولت تركيا اهتماما متزايدا بهذا النوع من السياحة، تجلت صورته عند إقرار الحكومة التركية عام 2015، تشكيل مجلس تنسيقي يتألف من عدة وزارات، يهدف إلى تنظيم سير عمل السياحة العلاجية ومنح شهادات معتمدة للمشافي المتمرسة بهذا العمل.

وتشمل أهم العلاجات التي يقصدها المرضى العرب والأجانب في تركيا جراحة العمود الفقري، وعلاج الأورام السرطانية، وعمليات تبديل المفاصل مثل الركب الصناعية، وزراعة الشعر والعمليات التجميلية، وجراحة العيون، والأسنان، وإعادة التأهيل والعلاج الطبيعي، وأمراض وجراحة القلب، وأمراض الكلى، وكذلك التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب، وأمراض الأعصاب وجراحة الدماغ.

ولكن لماذا تتمتع السياحة العلاجية في تركيا بميزات تجعلها تتفوق على منافسيها؟

هناك عدة عوامل توفر ميزات تنافسية بالنسبة للسياحة العلاجية في تركيا، من بينها أن البلاد أصلا تعد إحدى أهم دول العالم في استقطاب السياح.

وأزمة الليرة الأخيرة وما ترتب عليها من تراجع كبير لقيمة العملة المحلية رغم تأثيراتها السلبية على القدرة الشرائية للمواطن التركي فإن من شأنها تعزيز قدرات تركيا التنافسية في مجال السياحة بما فيها السياحة العلاجية بأنواعها بعد انخفاض الأسعار بالنسبة للسياح.

كما حصلت أغلب المنشآت المتخصصة في السياحة العلاجية في تركيا على اعتمادات محلية ودولية، التي من أبرزها، اعتماد اللجنة الدولية المشتركة JCI واللجنة المشتركة لاعتماد منظمات الخدمات الصحية JACHO إضافة للمنظمة الدولية لمعايير البحوث ISO.

فضلا عن أن تركيا عملت على تطوير اللوازم الطبية وامتلاك أحدث الأجهزة الالكترونية التي تستخدم في المجال الطبي، مثل تقنية الروبوت المستخدمة في عمليات زراعة الشعر، إلى حد وصولها للاكتفاء الذاتي.

ومن بين العوامل التي تعزز نسب الإقبال على السياحة العلاجية التركية، موقعها الجغرافي الذي يعتبر حلقة وصل، يجمع من خلالها قارتي آسيا وأوروبا في آن واحد، فهناك 57 دولة لديها الفرصة للوصول إلى تركيا في رحلة طيران مدتها 4 ساعات. 

إضافة لتنوع الأماكن السياحية على أراضيها، وغنى تاريخها الحضاري والديني، ما يجعلها قبلة لسائحي العالم كله.

أما في المجال الطبي يقول مختصون في القطاع، إن ما يميز تركيا عن نظرائها في القطاع الغربي، هو توفير خدمات طبية ذات جودة عالية، وتقديمها للمريض بأسعار منافسة، تصل في بعض الخدمات، لربع القيمة المتاحة في بلد المريض نفسه.

ويعود ذلك إلى أن تركيا تعتبر دولة متقدمة ومنفتحة على العالم، (فهي عضو في منظمة OECD التي تمثل الدول المتقدمة)، وفي الوقت ذاته ليست دولة ذات تكلفة عالية للمعيشة كالدول الأوروبية مثلا التي تعاني من تأثيرات اليورو القوي الذي يجعل الأسعار بها مرتفعة بالنسبة للسياح الأجانب، وجاء تراجع الليرة ليزيد من هذه الميزة التنافسية لتركيا.

بالإضافة إلى سرعة الإجراءات في نيل تأشيرات السفر والحجوزات وصولا لموعد العملية والتداوي، وهو ما يعد أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع بالمواطن الأوروبي وبالطبع السياح، للهرب من الإجراءات البيروقراطية في كثير من الدول الأوروبية المنافسة لتركيا وطول لائحة الانتظار التي قد تصل لحدود السنة أحيانا.

ونتيجة للأعداد الكبيرة التي تقصد تركيا بهدف الاستفادة من السياحة العلاجية وخدماتها منذ أن توسع هذا النشاط في عام 2005 حتى يومنا هذا، استطاع الأطباء المقيمون على الأراضي التركية امتلاك خبرات طبية تصل للمستوى الاحترافي، بفضل عدد العمليات الكبير التي يجرونها لهؤلاء السياح بشكل يومي.

هذا الأمر جذب بالمقابل أشهر الأطباء من كافة دول العالم، بعد أن أغرتهم، الخبرات الطبية التي باستطاعتهم تحصيلها في حال انضمامهم للكوادر الطبية في تركيا.